هل هي فكرة مجنونة
يميل المتفائلون إلى تصوير المستقبل مدنًا مؤتمتة بالكامل، فيها الكثير من التكنولوجيا، وبلا فقر ولا جوع، لكن أغلبهم لا ينشغل بالتفكير في المسار المطلوب لخلق هذا النسيج العمراني، وكأنه سيظهر فجأة بمعجزة .
لكن ليس هذا هو السيناريو الأكثر احتمالًا لمستقبل المدن، على الأقل إذا لم نتوقف عن دعم النماذج المشوهة للتخطيط العمراني.
وبالنظر لقضية الإسكان، ربما يبدو الأمر عبثيا إذا علمنا أن 45% من المواد الخام تُهدر إذا تم بناء 100 متر مربع بالطرق التقليدية باستخدام الكتل الخرسانية وغيرها….  في دول العالم النامي. وفي معظم المدن يمكن أن يستغرق بناء منزل واحد حتى ثلاث سنوات بتكلفة تصل إلى ثلاثين ألف دولار أمريكي.
يقدر برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وجود ثلاثة مليارات نسمة على مستوى العالم بحاجة إلى مسكن، وهذا الرقم مهيأ لأن يتضاعف خلال الأعوام الخمسة عشر القادمة. حتى وإن قامت حكومات الدول بضخ مزيد من الأموال في إعمار البنى التحتية؛ لن تتمكن من تغطية احتياجات مواطنيها من المساكن قبل أن تتحول المدن إلى عشوائيات واسعة.
لهذا فقد حان الوقت لتبني تقنيات جديدة في التصدي لأزمة ملحة كتوفير المسكن والمأوى. ؛ وعلينا أن نعيد النظر بالكامل في كيفية البناء والتخطيط والتنظيم. فنحن لا نحتاج فقط أن نبني مباني أكثر، نحتاج أيضًا مباني أفضل.
إننا نمتلك الوسائل التقنية والذكاء المطلوبين لمواجهة هذا التحدي، ومن هذه الوسائل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي برغم ابتكارها منذ ما يزيد على ثلاثين عامًا، إلا أنها الآن تثبت أقدامها وترسخ مكانتها منتجًا صالحًا للتسويق وتقنية قابلة للتطوير.
# كلام العمالقة
تقوم تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد على تقنيات التصنيع الرقمي، والتصنيع بالإضافة، أي وضع طبقات رقيقة متتالية من مادة ما لتكوين شكل محدد. وهناك بعض من الشركات والمجموعات العلمية حول العالم يختبرون تلك التقنية بغرض إنتاج مسكن أو مأوى عبرها.
من بين هؤلاء المجموعة العلمية  الإيطالية ’واسب‘، التي قامت بتصنيع طابعة ثلاثية الأبعاد طولها 12 مترًا يمكنها طباعة أكواخ باستخدام الطين. هدف المجموعة الرئيسي هو توفير المأوى في المناطق الصحراوية مثل شمال أفريقيا، حيث طبعت أولى منتجاتها في تلك المنطقة. تؤمن ’واسب‘ بضرورة استخدام المواد الخام المتاحة على المستوى المحلي؛ للحد من التكاليف اللوجستية والبيئية المتعلقة بنقل مواد البناء أو الأحجار.
كذلك قامت شركة WEN SUNالصينية بتطوير وسيلة لطباعة المنازل صغيرة المساحة من الخرسانة سابقة التجهيز. ويزعم مخترع تلك التقنية أن الوحدة السكنية الواحدة يمكن بناؤها بتكلفة تقل عن الخمسة آلاف دولار، ويمكن طباعتها في 15 يومًا، لتكون جاهزة للتجميع في غضون ثلاث ساعات فقط. وتخطط الشركة لافتتاح 100 وحدة تصنيع خلال الأعوام القليلة القادمة.
# تحديات و تفاؤل
تظل الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية واعدة للغاية، حيث تنخفض تكلفتها للنصف سنويًّا، بينما تتضاعف سرعتها ومساحات استغلالها.
تمثل التكلفة والسرعة وتوفر المواد الخام ثلاثة تحديات رئيسية لأي نظام جديد للبناء والتشييد، خاصة في الدول النامية، حيث يزداد الطلب على المساكن، بينما التمويل اللازم للبناء ضعيف. وهذه المؤشرات الثلاثة، إلى جانب النواحي الاجتماعية المتعلقة بتوفير المساكن، تخلق وضعًا معقدًا، ليس فقط من الناحية الفنية، لكن أيضًا من النواحي السياسية والاقتصادية والقانونية.
ينبغي أن تتضمن عمليات التحسين المستقبلية للطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الإسكان قدرًا أكبر من المرونة المعمارية وسوف تجلب عمليات التحسين تلك إلى العالم أسرع وسيلة للتشييد شهدتها البشرية حتى الآن، وأقلها تكلفة وإضرارًا بالبيئة، ليس فقط لفقراء الناس، وإنما للجميع.
بواسطة habeeb on 15:35:00 Rating: 5

No comments

مدون محترف